دروس من مدرسة الحسين " ع " /كريم شلال

الاربعاء - 26/08/2020 - 18:59
قبة الامام الحسين عليه السلام (من الارشيف).

دروس من كربلاء الحسين ...
اشكالية الاتكال ...
جدل الرؤية ... وحرب المفهوم
باتت ثقافة التمظهر ، وعنونة المفاهيم حالة مستشرية بين الناس ، حيث التزلف والبهرجة للمفاهيم ، اكثر اهمية من الجوهر ، وبذا بدات الاشكاليات القائمة بين المفاهيم ، للحيلولة دون الوصول الى صلب ولباب الاهم والاولى ، فترى "القائمين " كما يسميهم " الوردي ، يرصفون كلمات التودد لارضاء اصحاب المناصب ، كي يستدروا منهم مايبغون " الهبات " طبعا ، دون الحسبان الى فقدان معايير واشكالات القيم الاجتماعية والثقافية المنوطة من ادبهم ، عندها تتنافر المفاهيم بين قيم مبثوثة بالادعاء ، واخرى مسوقة بابخس الاثمان ، ولا يقل شانا عما ذهب اليه هؤلاء ، عن بعض من ساروا على ركبهم من " المؤمنين " حيث اتكالية الاسباب الواهنة لنيل رضوان الله تعالى " الجنة " معتقدين ان الدعاء وحده كفيل بتحقيق اغراضهم ورجحان تجارتهم مع الله ، متناسين الجهود الحثيثة لتحقيق اغراضهم " كبذل الاموال / واصلاح ذات البين / والعمل الصالح ...) من ذلك يتاتى جدل الرؤية وتنحصر اشكالية المفاهيم ، وتذوب تحتها تحقيق المارب .
الى هذا يذهب " الوردي " في تلك الاشكالية من خلال رؤيته خارج الحقل الأدبيّ بقيمته الثقافية ليحقق موازنة بين الشاعر بوصفه طالبَ مالٍ وجاهٍ وسلطةٍ، يسخّر شعره في أعلى كفاءةٍ ممكنةٍ لدفع الآخر الممدوح وتحفيزه إلى أكبر قدر ممكنٍ من مستوى الجائزة، والمؤمن الذي لم يفهم كنه التجارة التي سخّرها الله سبحانه وتعالى له كي يشتغل بها معه، فيكافأ على قَدرِ تجارته، فالتصوّر المفهوميّ الخاصّ عند الورديّ في هذا السياق يذهب مباشرة إلى رؤية ثقافية ترتبط بالفائدة الواضحة الجليّة الملموسة، ولا تحفل بالبهرجة التي لا تُغني من جوع ولا تحمي من خوف، فهو يقول: لقد وصف أحد الأدباء كتبي السابقة بأنها كجبّة الدرويش ليس فيها سوى الرقع. وأظنّ أنه سيصف كتابي هذا بمثل ذلك. ولست لأرى في ذلك بأسًا. فخير لي أن أكون رقّاعًا أخدم الناس بالملابس المهلهلة، من أن أكون خياطًا ممتازًا لصنع الملابس المزركشة التي لا تلائم أجساد الناس ولا ينتفع بها أحد ، فالعبرة ، كما يرى بالفائدة التي تسهم في إغناء الحياة وشحنها بمعنى الفرح الحقيقي المنتج.
يتضح مما سبق اعادة هيكلة المفاهيم لفض اشكاليات الاتكال على اسباب متخفية نسرق من خلالها مانحاول استلابه باسم الادب تارة ، واخرى باسم الايمان ، متناسين اننا على وهن ، وضبابية رؤية ، ولايحل ذلك الا من خلال تبني وتسويق الصورة الابهى للادب الراقي البناء لثقافة مجتمع يرمي الى تسويق القيم الاجتماعية المنوطة على عاتقه لديمومة صورة الانسان الذي نسعى لاظهاره من خلال شعرنا وقصتنا ، اضف اليه اجلال مفاهيم التدين للوصول الى مرضاة الله تعالى ورجحان تجارتنا معه ، بالابتعاد عن اشكالية الاتكال على التمظهر بقشور الدين والابتعاد عن جوهره النقي . عندها نظهر الشعر كفنا راقيا بمنظور اجتماعي ثقافي يقترب من اشباع حاجة نفسية مجتمعية فضلا عن الحاجات الجمالية والمعرفية الاخرى
وفي الوقت الذي اختار الشاعر فيه الطريق السهلة للحصول على المكاسب بالمديح والتزلّف، اختار المؤمن الطريق نفسها معتقدًا أن الدعاء وحده يكفي للحصول على الجنة، مع أنّ أمامه متّسعًا من العمل والجهد والتجارة من أجل أن يحصل على ما يريد بجهده وعمله وإنتاجه ، على النحو الذي يجب أن تكون الفاعلية فيه فاعلية إنتاجية ذات طابع ثقافيّ تسهم في خير المكان والإنسان شعريًا وإيمانيًا. وبهذا المعنى نصل الى الصورة المثلى للقصيدة الشعرية التي هي قبل كلّ شيء قطعة فنية، بالإضافة إلى كونها ظاهرة اجتماعية لها مساس مباشر بما ينشأ بين الناس من صلات التعاون والتنازع ، كما يراها " عالم الاجتماع " د . علي الوردي "
وتبقى الحضارة ، ترفض الجماليات المجردة ، فبهاء القصيدة لايكتمل بهيكلتها الفنية العليا حسب ، انما ما تحققه من تلاحم اجتماعي كهدف اسمى لها وبالتالي تسعى لتنوير العقل البشري وترفع من شان انسانية الانسان . لترسم الابعاد الحقيقية للاديب ، الذي نصبو اليه ، كصانع افكار ، لا صانع الفاظ ، ليساهم في تاسيس مجتمع يزهو بنظمه المثالية .